
من المشاعر ماهو عجيب غريب، يُنتِج دوافع لسلوكيات تحكمها قِيَمنا وقد يوجِد صراعاً أخلاقياً في ذواتنا. وقد أوجد الإنسان في حضاراته ومجتمعاته آليات (كالقانون وسلطة الدولة) تُعين الفرد على التعامل مع المعضلات القِيَميّة التي توجدها تلك الدوافع. من هذه المشاعر الشعور برغبة الانتقام...ـ
لنتخيل أن فلاناً استحوذ عنوة على ما عند عِلّان من طعام مستغلاً ضعفه مما أدى إلى تضوره جوعاً. لكن علّان اجتاز المحنة واشتد ساعده وكثر طعامه. إن قرر عندها أن ينتقم بأخذ ما لدى فلان من طعام فليس في عمله هنا عقابٌ أو استرداد لِحَقّ أو إزالة لشعور بالعجز، بل تكرارٌ لظلم وبدافع الضغينة...ـ
رغبة الانتقام شعور برغبة للقيام بعمل ما، ينشأ في حالة يسودها إحساس بالعجز، وبسببه، أمام ظلم أو شر. لكن فرصة الانتقام لا تسنح إلا بزوال العجز. وذلك عكس الوضع الذي أنشأ الشعور أصلاً، فلا يستمر إحساس العجز بل ينتهي؛ فإما اختفى دافع الانتقام أو تبدل إلى حقد يدفع لتكرار الظلم والشر...ـ
لذلك فشعور الرغبة في الانتقام أحد المشاعر التي تختبر قدرة الفرد على تنظيم العواطف، والسيطرة على الدوافع والاستبصار بطبيعتها، وقبل كل ذلك على قدرة الفرد على إدارة الصراع الذاتي بين إشباع رغباته والالتزام بالحدود الأخلاقية. صراع يدور بين "الهو" و"الأنا العليا"، يديره "الأنا"...ـ
والجانب التحليلي الآخر في سلوك الفرد عند زوال العجز هنا يعود لقوالب العلاقات مع الآخر والتي اندرجت في بنية الشخصية، تتكرر في سلوكنا وسيطرتنا على دوافعنا أنماط تعاملاتنا مع من كان لهم أكبر الأثر في تشكيل هويتنا. لهذا كله، فإن لمعنى مفهوم "العفو عند المقدرة" أعماقاً تحليلية عديدة...ـ
فمن المنظور النفسي التحليلي، لا تشابه بين اثنين حصلا على ثأرهما، ولا تشابه بين اثنين عفيا عمن ظلمهما عند المقدرة. فالرواية الفردية الذاتية (الداخلية)، بمحتوياتها الموعية واللاموعية هي التي تحدد معنى ذلك القرار بالثأر أو بالعفو.ـ
💐
💐