الفكرة الوسواسية: ماهي؟ وما هو السلوك القهري؟ وبماذا تختلف هذه الظواهر عما نألفه من الأفكار والسلوكيات؟

لنفهم ماهية الفكرة الوسواسية 
(obsessional idea)
فقد نكون بحاجة لفهم ماهية الأفكار. في حقيقة الأمر، وعلى الرغم من الفهم الشائع لماهيتها لدى المختصين، فإن الغالبية العظمى مما يُسمى بالأفكار الوسواسية هي نمط من الأفكار التي توجِد معنىً ذهنياً لدعم شعور بالشك. نعم: الفكرة هنا ثانوية للشعور وليس العكس! الشعور بالشك يبدو أنه محور المشكلة، ويميل للتواجد في معظم الأوقات والمواقف، ولكنه أكثر خفاءً وغير مرتبط بنمط ثابت من الأفكار التي تمنحه بالمعنى سوى في النطاق الذي تظهر فيه الأعراض المؤثرة سلباً على حياة من يعاني منها. لعلي هنا أشرح ذلك بمزيد من التفاصيل ابتداءً بالعواطف والمشاعر ومروراً بالأفكار ثم بالأفكار الوسواسية والسلوكيات القهرية.ـ

العاطفة 
(emotion)
 هي مجموعة من التفاعلات الفيسيولوجية المعقدة والتي تشتمل على تفاعل من مناطق كثيرة في الدماغ والغدد الصماء ومعظم أجهزة الجسم وليس من الضروري أن تشتمل على  محتوى يصل للإدراك الحسي والوعي، لكنها تشتمل ذلك في كثير من الأحوال. عندما ندرك ذلك بشكل مَوْعيّ، فإن ما وصل إلى وعينا هو الشعور:ـ
 .(feeling)
 لكل ظاهرة تحدث في الدماغ سرعة معينة تم قياسها في المختبرات، سرعة حدوث العاطفة أسرع من العمليات التي نعيها، ويليها سرعة الإدراك الحسي (ومن ذلك الشعور) ويلي ذلك سرعة إنتاج فكرة في الذهن!ـ

من الأمور التي يندر الحديث عنها هو أن الأفكار، على النقيض من العواطف والمشاعر، ظواهر ذهنية "إرادية". أي أنها ناشئة عن نشاطٍ مَوْعيّ ذو غاية. نحن نفكر طوال الوقت، ولا نتوقف لنستحضر نية التفكير قبل أن تخطر الفكرة على البال. لكن وجود الفكرة يعني أن للذهن حد أدنى من النشاط المَوعيّ، ويمكن لنا أن نستحضر أي فكرة نشاء استحضارها إن أردنا. ولكن، هل يمكننا التوقف عن التفكير؟ هل يمكننا إيقاف أو منع فكرة من الحدوث؟ لفهم الإجابة على السؤال، لابد لنا أن نفهم أولاً الدرجة التي تسيطر بها العواطف على العقل.  لعلنا نبدأ بالعاطفة المرتبطة بوجود الخطر.ـ

من المعلوم أن العاطفة المرتبطة بوجود الخطر على البقاء أو السلامة تُعتبر أقوى العواطف أثراً على السلوك. توجد هذه العاطفة، وإن لم يكن ممكناً معرفة وجود شعور مصاحب لها، لدى كل الحيوانات الثديية والطيور وقد توجد في كائنات أقل تطوراً منها. توجد في برامجنا الوراثية مخاطر محددة وعلامات لها نستجيب لإدراك حدوثها دون إعمال للوظائف الذهنية أو تبدأ الإستجابة الجسدية قبل إعمالها. عندما تكون العلاقات المحورية في حياتنا في مثابة البقاء والسلامة، فإن خطراً يهددها يثير نفس العاطفة وبنفس الشدة. ويتم تحديد مفهوم الخطر بشكل متفرد لكل أمرٍ آخر ذو أهمية عاطفية لنا في حياتنا. أي أن هناك مقياس للخطر يتناسب مع درجة الأهمية العاطفية التي وهبناها لكل ما يوجد في حياتنا.ـ

كما هو الحال في كل المشاعر التي تمر بنا، عندما يصل الشعور لإدراكنا فإن العقل البشري لا يقبل بوجود محتوى في الوعي دون وجود معنىً له. المعنى لا يجب بالضرورة أن يكون "فهماً" أو تفسيراً منطقياً. المعنى هو ما نعي أنه دافع الشعور أو ما يبرره. المعنى أمر قد يكون متغيراً حتى مع شعور متكرر أو ثابت، ويتكوّن المعنى بناءً على منظور الفرد ومحتوى ذاكرته وخبراته الذاتية ووعيه بما يجري في بيئته وتكوين شخصيته وغير ذلك من المدخلات التي تغذي الذهن الذي تتفتق عنه هذه المعاني. يظهر معنى الشعور بشكلٍ مباشر أو غير مباشر في وعينا على شاكلة فكرة. هذه الفئة من الأفكار المصاحبة للمشاعر غايتها خلق المعنى، ومن الصعب أو المحال منعها من الحدوث (على الرغم من أنها إرادية) لأنه من شبه المحال تواجد شعور بلا معنى. وبعد تكوين أي فكرة في وعينا، فإنها معرضة لأن يتم الحكم عليها من حيث مواءمتها لأنماط تفكيرنا وقِيَمنا ومفاهيمنا ومعايير المنطق لدينا.ـ

شعور الشك، وهو شعور نابع من عاطفة وليس فكرة، يختلف عن فكرة الشك، وهي الفكرة التي يستقي الشعور بها معناه. الشعور بالشك هو درجة من الدرجات المنخفضة من شعور التهديد بالخطر. هي الدرجة التي ينتفي فيها اليقين بانعدام الخطر أو يكاد. وأقصد هنا الشك ولا أقصد الارتياب، والذي فيه اسقاط لمقاصد على الآخر. نحن مُبرمجون بيولوجياً ليس فقط لنكون قادرين على إدراك المخاطر في بيئتنا بل ولقياس احتمال حدوثها بشكل وشيك. ليس الأساس في هذه المهارة العقلية هو قدراتنا الذهنية، بل خليط من القواعد الأساسية الموروثة بيولوجياً والمكتسبات من البيئة من خلال تعلم غير موعي للارتباطات الشرطية بين مؤثرات معينة وعواقبها.ـ

تُستثار العاطفة المرتبطة بوجود الخطر جزئياً، ويُؤدي ذلك للشعور بالشك، عندما يُوجد تهديد بالخطر بدرجة يتجاوز فيها احتمال الخطر الوشيك، أو يكاد، حداً معيناً، أو عتبة، أو خطاً أحمر. وهذا الحد أو هذه العتبة يتم تحديدها بشكل لاموعي. ليست مسألة تعتمد على دراسة منطقية، ولا يُشترط لها أي درجة من الذكاء أو حتى القدرة على التفكير. هي ظاهرة تحدث لدى المصابين بأشد درجات الإعاقة الذهنية والأطفال في أعمار مبكرة ومفتقدي النماء اللغوي كما تحدث للبالغين من ذوي النباغة والذكاء الشديد. تحديد هذه العتبة بشكلٍ لامَوْعي أمر يمكن أن نؤثر عليه بشكل موعي، لكن علينا أن نفهم أولاً أن المسؤول عن تفعيل عاطفة وشعور الخوف من خطر وشيك بشكلٍ جزئي طفيف (الشعور بالشك) ليس محتوى الأفكار التي يعي بها من يعاني، حتى وإن كانت هدفاً مناسباً للتدخل العلاجي.ـ

ما يحدث هو أن تحديد هذه العتبة على ما يبدو أمر يعتمد على تفاعل موروثات بيولوجية مع البيئة النفسية والاجتماعية التي ننمو فيها، بحيث يكون العامل الأقوى هو وجود الميول الوراثية. إلا أن التفاعل مع البيئة يخلق بشكلٍ لاموعي القاعدة التي تنبني عليها المعاني المرتبطة بذلك الخطر. وهذه القاعدة من المعاني اللاموعية يكثر أن تحتوي ما لا يمكن التنبؤ به من خلال ما يعيه من يعاني وما يظهر عليه من سلوك، ويكثر أن تنبني على تخْيِيلات في غاية الغرابة والبعد عن المنطق ويظن العقل بأن في الوعي بها ضرر. وعند حدوث الشعور، تُستثار تلك المعاني وتظهر في الوعي أفكار لا خطر من الوعي بها متعلقة بتلك القاعدة من المعاني اللاموعية، وهذه الأفكار التي تظهر في الوعي هي التي نسميها بالأفكار الوسواسية. لوجود هذه المحتويات الذهنية الموعية أثر عظيم. حيث تستغل هذه الأفكار كل ما لدى الفرد من معتقدات وأنماط فكرية لدعم وجودها وتفسير أثر الشعور بالشك على الفرد.ـ

 عندما تكون العتبة التي تحدد استثارة الشعور بالشك المرتبط بالخطر الوشيك منخفضة بشكل عام (كما هو الحال لدى كثير ممن يعاني من الأفكار الوسواسية)، فإن حالة التأهب التي يكون عليها الفرد هنا تشبه إلى حدٍ ما درجة من القلق المعمم لكون استثارتها واقع مستمر أو متكرر الحدوث لأقل الأسباب. لكن، ولأسباب يبدو أنها مرتبطة بقاعدة المعاني اللاموعية المرتبطة بهذه العتبة، فإن ذلك التأهب يكون مرتفعاً بشكل انتقائي في نطاقات معينة في حياة الفرد لدى الغالبية ولأسباب متفردة وخاصة بقصة تكوين المعاني خلال نماء الفرد وتراكم خبراته.ـ

لكن كل ما سبق لا يكفي لفهم ماهية الأفكار الوسواسية. فهي تختلف عن الأفكار التي تصاحب المشاعر بشكلٍ عام في خواص معينة. ليست الأفكار الوسواسية قادرة دائماً على تسخير ما يكفي من الدعم لتفسير تواجدها. وما يبدو أنه السبب في ذلك لدى القادرين على وصف تلك الأفكار وتعريضها لمعايير المنطق أو الحكم عليها بموضوعية هو أن العتبة التي تم الاقتراب منها ونتج عنها الشعور بالشك وحالة التأهب هي عتبة يفهم صاحبها بشكلٍ مَوْعيّ ولو جزئياً بأنها منخفضة أكثر مما يجب أو أكثر مما هي عليه لدى الآخرين. وهذه الظاهرة تفسر وجود درجة من الرفض للفكرة الوسواسية لدى كثير (وليس كل) من يعاني منها. هذا الرفض ثانوي. ما يحدث أولاً هو استثارة العاطفة، ثم إدراك الشعور، ثم خلق المعنى بفكرة، ثم تعريض الفكرة لمعايير معينة تؤدي بصاحبها برفض مصداقيتها.ـ

تكون الفكرة "وسواسية" لأنها تكون مُلِحّة، متكررة وملتصقة بالوعي ولكن في ذات الوقت غير مقبولة بشكل تام. وعندما تكون مرفوضة جزئياً أو كلياً فإنها، وبحد ذاتها، مصدر للمعاناة. لكنها ملحة ومتواصلة لأن عتبة الشعور بالشك منخفضة للدرجة التي تسمح بحدوث الاستثارة بشكل متواصل أو شبه متواصل. بالإمكان التدخل علاجياً لدعم رفض الفكرة الوسواسية وتبيان انعدام المنطق فيها، إلا أن الجدوى من ذلك محدودة جداً حيث أن المشكلة في الأساس أمرٌ آخر، وهو تحديد عتبة استثارة عاطفية. لكن ما يتم التدخل فيه علاجياً في أغلب الحالات هو أثر كل ما سبق من ظواهر على السلوك، وهو ما يُسمى بالسلوك القهري 
(compulsive behavior).

يظن أغلب الناس أن السلوك القهري هو نتيجة مباشرة للفكرة الوسواسية. وفي الحقيقة فإن ذلك الظن في غير محله. يحدث هذا السلوك القهري لدى من يعاني من اضطراب الوسواس القهري 
(obsessive-compulsive disorder)
 سواءً كان بإمكان ذهن الفرد إنتاج فكرة وسواسية أم لا. بل قد يبدأ إنتاج السلوك قبل استكمال إنتاج الفكرة من حيث السبق الزمني.ـ

السلوك المدفوع بشعور الشك يهدف للعودة بمستوى استثارة العاطفة المرتبطة بالخطر إلى مستوى أقل بكثير من العتبة التي تم تحديدها مسبقاً. أي أنه يهدف لإحداث تغيير في المدخلات التي تثير تلك العاطفة. لو أن الشعور بالشك مرتبط بخطر يمكن التقليل منه بـ "التأكد"، سواءً كان ذلك حركياً أو ذهنياً، فإن ذلك التأكد يؤدي إلى انخفاض حالة التأهب للخطر وبالتالي للشعور بالطمأنينة ولو لحظياً. هنا، ومن خلال الخبرة الناتجة عن السلوك، يتعلم الفرد أن لهذا السلوك ذلك الأثر المطمئن. إلا أن أثر ذلك السلوك الهادف للتأكد لا يدوم، وبالتالي فإن عودة الشعور بالشك توجِد الحال (الشرط) التي تُحفز السلوك القهري مرة أخرى. كما سبق أن ذكرت، قد لا يوجد دافع للسلوك أقوى من العاطفة المرتبطة بالخطر، وأضيف بأن حالة التأهب حالة يبحث العقل دائماً عن وسائل إزالتها للحصول على الطمأنينة.ـ

إذا كانت عتبة استثارة الشعور بالشك أمرٌ لا يحدده ما نعيه من أفكار، ونميل إلى تحديده منخفضًا بشكلٍ وراثي، فكيف لنا أن نتدخل لتعديله علاجياً؟ مسألة التدخلات العلاجية الفعالة هنا لها جوانب عدة، منها أن التدخل بالعلاج السلوكي والذي ثبتت فاعليته في التخفيف من حدة أثر السلوك القهري هو التعرض والكف عن الاستجابة. ما يتعرض له من يعاني هنا هو ما يستثير شعور الشك، والاستجابة التي يكف عنها هي السلوك القهري الذي يؤدي للتأكد المطمئن. فاعلية هذا التدخل العلاجي ناتجة عن أن التعرض هنا يوجد الحالة التي يحاول الفرد تفاديها، أي أنه يثير عاطفة الخطر الجزئي والشعور بالشك وحالة التأهب، لكن حدوث ذلك يتم بتخطيط مسبق وفي البيئة العلاجية الآمنة لدى من لديه دافعية كافية لخوض العلاج. لاحظ هنا أن التخطيط المسبق محتوى مَوعيّ، وكذلك الحكم على البيئة بالأمان، والوعي بالدافعية أساس للبدء في العلاج. أي أن المحتوى الفكري هام لتمكين العلاج لكنه لا يمنع حدوث الظاهرة التي يتم علاجها.ـ

التعرض بدون استجابة يرفع درجة الاستثارة ويبدأ العقل بإعمال كل ما يحدث عند التعرض للخطر. لكن تفاعلات الجسم للخطر المحدق، على الرغم من عدم مواجهة خطر حقيقي مُدرَك، لا يمكن لها الاستمرار للأبد. نشاط وتفاعلات الجهاز العصبي التلقائي 
(autonomic nervous system)
 المرتبطة بالتأهب للخطر والهادفة لإنقاذ الفرد هي من التفاعلات القابلة لأن ترتبط شرطياً بمؤثرات معينة، أو أن تفقد ارتباطها الشرطي بتلك المؤثرات، بحسب ما يحدث في الخبرات المتكررة بتلك المؤثرات. هنا، ومن خلال تكرار التعرض والكف عن الاستجابة في العلاج، يتكرر تنشيط تلك التفاعلات بناءً على الارتباط الشرطي المسبق، ولكن النتيجة المتوقعة (حدوث الخطر) لا تحدث على الرغم من الكف عن السلوك المقاوم للخطر. بذلك يبدأ إضعاف الارتباط الشرطي، ويتم تعديل عتبة الاستثارة بالنسبة لذلك المؤثر.ـ

الإشكال هنا هو أن الأثر العلاجي محصور على المؤثر الذي تم التدخل لأجله، وليس شاملاً للحالة العامة للتأهب والتي لا ترتبط بالضرورة بسلوكيات قهرية واضحة. إلا أن للتخفيض من أثر السلوكيات القهرية هنا أثراً هاماً على جودة الحياة والتخفيف من المعاناة. كما أنه من الممكن للمريض أن يتعلم مهارة يعالج بها بنفسه سلوكيات قهرية أخرى قد تحل محل تلك التي عالجها مع المعالج النفسي.ـ

من جوانب تعديل المشكلة علاجياً التدخل الدوائي. على الرغم من صعوبة معرفة كل الآليات المتعلقة بهذا التدخل، إلا أن الرأي السائد فيه هو أن فاعليته تبدو أنها ناتجة عن رفع مستوى عتبة الاستثارة العاطفية بشكلٍ عام. أي أنها تعمل على تغيير غير دائم (يزول بإزالة الدواء) للحد الأدنى لاستثارة الشعور بالشك الناتج عن عاطفة الخطر الجزئي. لا يبدو أن بإمكان الدواء تعديل تلك العتبة لدرجة تتساوى فيها مع مستواها لدى من لا يعاني من القلق المعمم أو من الوسواس القهري، ولكن التحسن الناتج يؤثر في كل ما يترتب عن انخفاض تلك العتبة. ومن المحتمل كذلك أن الدواء يقلل من قابلية الارتباط الشرطي بين المؤثرات من جهة وبين ما يرى العقل أنه خطر من جهة أخرى. وقد يفسر هذا تقليل الدواء من نشاط بعض الدوائر العصبية المعلوم وجود دور لها في هذا النوع من التعلم.ـ

إلا أن هذه التدخلات العلاجية، مع فاعليتها، تعجز أحياناً كثيرة عن القضاء على الأعراض تماماً. ولعل السبب في ذلك يعود لعدم تأثير أي منهما بشكلٍ مباشر على قاعدة المعاني التي بُنيَت عليها الأفكار الوسواسية الناتجة عن الشعور بالشك. فقد يصل القارئ لما شرحته هنا إلى الاستنتاج بأن لتلك المعاني علاقة مهمة بالمعاناة الناتجة عن الأفكار الوسواسية. بل وتوجد جوانب أخرى للمعاناة متعلقة بالمعاني التي ترتبط بالسلوك القهري، والمعاني التي ترتبط بالآثار الثانوية للأفكار الوسواسية والسلوكيات القهرية على حياة الإنسان. أي أن هناك جانب متعلق بعالم المعاني ومدخلاته اللاموعية لا تتطرق له هذه التدخلات العلاجية. وماذا عن من يعاني من أفكار وسواسية ولكن ليس لديه سلوك قهري (سواءً كان حركياً أو ذهنياً)؟ ظاهرة الأفكار الوسواسية الطارئة وغير المزمنة التي تخطر لبعضنا من فترة لأخرى دونما أثر كبير على السلوك ظاهرة غير مدروسة ولم يتم علاجها في إطار بحثي محكم. كذلك، كيف لنا أن نعالج أفكاراً نشأت عن مشاعر أخرى ولم تتحول إلى أفكار وسواسية ولكنها ناشئة من قاعدة المعاني التي نلجأ لها لإضفاء المعنى لتلك المشاعر؟

يبدو هنا أن المطلوب لإكمال المنظومة العلاجية هو النظر وبعمق لقاعدة المعاني اللاموعية التي كان لها دور محوري في إنشاء المشكلة أساساً. ومن الممكن حدوث ذلك في التحليل النفسي  والعلاج النفسي التحليلي وفي بعض أنواع العلاج النفسي الديناميكي قصير الأمد. ليس من الكافي لمن يعاني من اضطراب الوسواس القهري الاكتفاء بهذا النوع من العلاج إن خلا من التعرض والكف عن الاستجابة لأن آلية الارتباط الشرطي المؤدية للسلوك القهري منفصلة عن المعاني اللاموعية المعنية هنا. كذلك قد لا يستغني المريض عن الدواء في كثير من الحالات بسبب عمومية انخفاض عتبة تحفيز العاطفة المؤدية للشعور بالشك. لكن عالم المعاني الذي نتحدث عنه هو الذي يحدد طبيعة وشكل المعاناة التي يعيشها المريض، وهو عالم خاص به، لا يشترك فيه مع غيره، و قد يكون للاستبصار بما يجري فيه عميق الأثر على جودة حياته بشكل عام، وعلى خبراته الناتجة عن الأفكار الوسواسية والسلوك القهري بشكل خاص.ـ

Back to Top