طيف التوحد ليس مرضاً واحداً محدداً، بل هو متلازمة من الأعراض تنتج عن اضطرابات في تطور وتكوين دماغ الجنين وقد لا تظهر الأعراض بوضوح إلا بعد السنة الأولى من العمر نتيجة للطبيعة التراكمية المعقدة لنمو الدماغ.ـ
بداية هذا الخلل النمائي بالضرورة متعلق بالمورثات (الجينات) التي تؤثر في تكوين وتطور ووظائف خلايا الدماغ. الخلل قد يكون جيني أو فوق جيني أو خليط من الاثنين. العامل الجيني قد يكون مكتسباً قبل أو أثناء تلقيح البويضة لذا ليس من الضرورة وجود ذلك العامل لدى أحد الوالدين، لكن توجد عوامل مورثة كذلك. والعامل الجيني قد لا يكون كافياً لإنتاج المتلازمة. حيث قد يتطلب الأمر تواجد عدة عوامل جينية متفاعلة مع بعضها أو عوامل تنشط أخرى أو تثبط أخرى أو قد يتطلب وجود عوامل فوق جينية. أما العوامل فوق الجينية فهي تأثيرات بيئية تنتج عن عوامل كثيرة تؤثر في وظيفة الجينات.ـ
لذلك فإن الآليات البيولوجية التي تؤدي للخلل النمائي المؤدي لأعراض التوحد متعددة ومعقدة لكنها كلها فاعلة منذ بداية تخلق الدماغ أو في المراحل الأولى منه في النصف الأول من الحمل.ـ
وقد تم التعرف على ما يزيد عن ٣٥٠ عاملاً وراثياً مرتبطاً بقابلية أعلى لظهور طيف التوحد، ومع ذلك فهذه العوامل التي تم اكتشافها لا تفسر سوى ما يقارب ٣٠٪ من حالات طيف التوحد. وهذا يدعونا لتوقع وجود عشرات أو مئات من العوامل الوراثية الأخرى.ـ
وما يجدر أن نتنبه إليه هو أن كل عامل من هذه العوامل يتسبب في مرض مختلف بيولوجياً، إلا أن الأعراض الوظيفية الظاهرة ينطبق على أغلبها وصف طيف التوحد. وعند تعدد المسببات البيولوجية، فقد تتعدد آليات العلاج كذلك. لذلك فليس من الغريب القول أنه "لا يوجد شخصين مصابين بطيف التوحد متطابقين". وهذا فقط فيما يتعلق بمسببات المتلازمة، ونشوء سمات الشخصية والتجارب التربوية الفريدة والظروف الاجتماعية والدراسية والثقافية الخاصة ببيئة المنشأ تؤدي جميعاً لإضفاء مزيد من التفرد لكل حالة على الرغم من التشابه السطحي في بعض الأعراض السلوكية. لذلك لابد من الجميع النظر لطيف التوحد بنظرة مختلفة وأن نتوقف عن البحث عن التفسيرات السهلة والحلول السريعة.ـ