‏ألاحظ انتشار ظاهرة سعي عدد من البالغين للحصول على تشخيص اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه.ـ
‏هناك واقع لا شك فيه وهو أن نسبة كبيرة ممن عانوا من الاضطراب في طفولتهم لم يتم تشخيصهم أو علاجهم ومنهم من يسعى للعلاج. وبالتأكيد يكون هؤلاء بحاجة للتدخل العلاجي إن كانت الأعراض لا تزال مؤثرة على الأداء الوظيفي بدرجة واضحة لا شك فيها. ويمكن للمختص ذي الخبرة في المجال تقييم درجة ذلك الأثر.ـ
‏ولكن كثير ممن يسعى للحصول على التشخيص والعلاج من البالغين يرجو أن تتحسن مهاراته الذهنية بتحسين انتباهه، والذي قد لا يكون قاصراً للحد الذي يبرر تشخيص الاضطراب.ـ
‏وهنا يجد المختصون أنفسهم في موقف معقد:ـ
‏على الأغلب لا يكون المختص الذي يعالج الكبار  على خبرة بالاضطراب في الطفولة، وبالتالي يصعب تقييم تاريخ المشكلة لدى البالغ الساعي للعلاج.ـ
‏ويسهل أن يكون إلحاح المريض أو قناعته كافية لإقناع المختص بوجود اضطراب لأن الانتباه ككثير من الوظائف الذهنية يقع على طيف يصعب فيه تحديد نقطة محددة فاصلة بين السواء والاضطراب. حتى المقاييس المستخدمة لتحديد ذلك تكون متأثرة بقناعة من يجيب على أسئلتها، وقليلة هي الاختبارات التي يمكنها قياس كفاءة الانتباه بدقة وبموضوعية.ـ
‏كما توجد عوامل متعددة مؤثرة في جودة الانتباه لا علاقة لها بهذا الاضطراب، وقد تكون مسؤولة عن شكوى المريض. ولعل أكثرها شيوعاً اضطراب القلق المعمم. وهنا تتداخل تعقيدات كثيرة حيث يمكن لتشتت الانتباه أن يرفع احتمال اضطرابات القلق وغيرها.ـ
‏لكن ما يحدث الآن هو انتشار لوصف الأدوية الخاصة بعلاج الاضطراب بشكل يبدو لي أنه مبالغ فيه (وأتمنى أن لا يكون كذلك وأن نرى دراسات بحثية رصينة لمعرفة الوضع الراهن). وتوجد دراسات في الغرب تشير إلى أن نسبة كبيرة ممن يستحق العلاج لا يحصلون عليه بينما توجد نسبة كبيرة ممن لا يستوفون معايير التشخيص يحصلون على العلاج!ـ
‏وقد لا يكون معلوماً أن الأدوية التي تستخدم لعلاج الاضطراب تؤدي لتحسين الانتباه لدى من لا يعاني من الاضطراب! لذلك فإن الاستجابة لتجربة علاجية ليست دليلاً على صحة التشخيص بالضرورة!ـ
‏لذلك أُذَكّر نفسي وغيري من المختصين بالتالي:ـ
‏١- ليست كل شكوى من ضعف الانتباه دليلاً على وجود حاجة للعلاج. لابد من وجود إعاقة حقيقية في مجالات متعددة من حياة المريض. ولابد من البحث عن ربط بالاندفاع السلوكي في أغلب الحالات وبفرط الحركة في كثير منها.ـ
‏٢- كثير ممن نشأته دالة على وجود الاضطراب منذ الطفولة لم يدرك ضرورة الحصول على العلاج أو لم يكن متاح له ذلك، فلا استغراب من حاجة البالغ للتشخيص والعلاج.ـ
‏٣- من الضروري تتبع الأعراض إلى الطفولة المبكرة لدى البالغ الساعي للتشخيص أو العلاج.ـ
‏٤- لابد من إعطاء الأولوية التشخيصية للعوامل الأخرى المؤثرة في جودة الانتباه أو المساهمة في الاندفاع السلوكي.ـ
‏٥- لابد من دراسة الأساليب التي استخدمها المريض للتكيف مع ما يشتكي منه ومدى نجاحها في تفادي التأثير المعيق للأداء الوظيفي.ـ

‏لذلك كله، أرى أن تشخيص وعلاج اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه لدى البالغين مسألة ذات درجة من التعقيد وتستحق التأني والعناية الحكيمة.ـ

‏والله من وراء القصد
Back to Top