ـ"الحقائق" مجرد نوع واحد ونادر إلى حدٍ ما من "المعلومات". وكلما أغرقنا العالم بالمعلومات غرقت معها الحقائق إلى القاع بعكس أمنياتنا الساذجة بأن تطفو للسطح.ـ
يتطلب إبراز الحقيقة جهداً وبحثاً وطاقةً وكلفة. ولا يتطلب إنتاج الوهم سوى كتابته.ـ
تعاني الحقائق من كون كثير منها معقد، لكون الواقع معقداً. بينما يتميز الوهم بأنه قد يكون من البساطة بأي درجة يبتغيها مؤلفه. وتدغدغ البساطة عقولنا التي تميل إلى النفور من التعقيد.ـ
وتعاني الحقائق من كون بعضها مؤلم أو مهدد لما نؤمن به أو لمكونات هويتنا أو ما نرفض الاعتراف به، فهي تعكس واقعاً غير متحيزٍ لما يرضينا. ويتمتع الوهم بقدرة مؤلفه على جعله جذاباً وموافقاً لأهوائنا.ـ
لذا، فإن ندرة الحقيقة وثمنها الباهظ من الجهد والبحث والطاقة وتعقيدها وألمها ومعارضتها لأهوائنا بحاجة لتظافر جهودنا وإيجاد مؤسسات نافذة وفاعلة وموثوقة لإبرازها والدفاع عنها ودفعها تجاه السطح إن أردنا أن لا تغمرنا سيول المعلومات التي لا يطفو منها سوى زَبَد الوهم.ـ
ولكننا في عصر تقدم وتوهج "أنظمة المعلومات" وتقنياتها. تحيط بنا وسائل التواصل الناقلة لهذه المعلومات. والعجيب أن التقدم التقني والعلمي المؤدي لهذه الظاهرة والذي أنتجته معلومات نشأت من خلال العلوم بالأسلوب العلمي الموثوق هو ذاته الذي يغمرنا بمعلومات لا صلة لها بالحقائق.ـ
كما أن أثر المعلومة لم يعد متمحوراً حول مصداقيتها، بل على قوتها وجاذبيتها.ـ
نحن بحاجة ملحة لتحول جذري في ثقافتنا نحو الفكر الناقد والسعي للحقيقة وإيجاد الوسائل والمؤسسات التي تنافح عن الحقائق مهما كلّف ذلك وأن تستحق الثقة لأن الثقة تغطي فجوة الفكر الناقد الذي يعجز عنه أكثرنا.ـ
لكن خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي حسب مايبدو لي، لا تهتم بمصداقية المعلومات. لا تهدف هذه الأنظمة لدعم الحقيقة والسماح لها أن تطفو لسطح المحيط الهائل من المعلومات. بل أجد أن سمات الوهم ترفع حظوظه في البروز والانتشار. ولا تهتم وسائل التواصل سوى بما يزيد من انتشار المعلومة.ـ
لم تعد وسائل التواصل الاجتماعي مؤسسات تستحق الثقة. لم تعد مصدراً يمكننا أن نعتمد عليه في سعينا للحقيقة إن سعينا لها.ـ
لن تتحول وسائل التواصل إلى مصادر موثوقة للحقائق بدون خوارزميات تُفَضّل الحقائق. ولن يحدث ذلك بلا تفضيلٍ لمستخدمي وسائل التواصل للحقائق.ـ
فلنغيّر ثقافتنا!ـ
💐
والله من وراء القصد
16/12/2024 @yasseraddabbagh ياسر الدباغ