عندما نترجم المصطلحات، وأخص بالذكر المصطلحات الطبية والنفسية، فبرأيي يكون من الضروري معرفة "مصدر" المصطلح في اللغة الأصلية، والمعاني المرتبطة باللفظ في تلك اللغة والثقافات التي تسود فيها وطريقة استخدام اشتقاقات المصطلح. وفقط عندما نصل لذلك الفهم، بإمكاننا الاختيار بين منحيين:ـ
الأول ترجمة اللفظ حرفياً وبدقة، ونختار حينها أقرب لفظ لذلك المعنى الأصلي من المنظور اللغوي بغض النظر عن سهولته أو شيوع استخدام اللفظ. والمنحى الثاني هو تعريب المصطلح، وهنا نأخذ المعنى من منظور علمي بحت، متجاهلين مصدر المصطلح في اللغة الأصلية، ثم نعمل على استعارة لفظ (إن وُجد) أو اشتقاق كلمة عربية جديدة مستعينين في ذلك الاشتقاق الجديد بقواعد الصرف، والتي طالما أنتجت كلمات وأضافت معانٍ جديدة في تاريخ اللغة العربية. هنا أحاول أن أشرح هذين المنحيين وكيفية تطبيقهما والاختيار بينهما وأدعو نفسي وزملاء المهنة إلى الالتزام بهما.ـ
وأحاول فيما يلي شرح الموضوع بضرب بعض الأمثلة:ـ
كلمة
(diabetes)
مصطلح طبي قديم معروف لدى كل الأطباء وكذلك لدى عامة الناس في الدول الناطقة باللغات الأوروپية، وهي ذات أصل في الإغريقية القديمة ومشتقة من الفعل
(diabainein)
والذي يعني "يخطو أو يقف مع ساقيه متباعدتين، يتخطى، يمر"... وقد اقترح بعض من نظر في أصل الكلمة اللغوي بأن عَرَض البُوال (كثرة التبول) المرتبطة بكل من داء السكري الكاذب أو البوالة التَفِهَة
(diabetes insipidus)
ومرض السكري
(diabetes mellitus)
هو العرض الذي أدّى إلى هذه التسمية إما لمرور السوائل السريع أو للطريقة التي يقف الرجل بها أثناء التبول...ـ
لاحظوا أن الكلمة الثانية في المصطلح الأجنبي أضيفت للتفرقة بين مرضين يتميزان بعرض البوال: الأولى
(insipidus)
وتعني باللاتينية "تَفِه" (أو عديم الطعم)، والثانية
(mellitus)
وتعني باللاتينية "حلو كالعسل". المشار إلى طعمه في الحالتين هو البول!...ـ
لذلك فإن ترجمة المرض الأول بالمنحى الأول (الدقة اللغوية) هي البُوالة التَفِهة (أو البوال التَفِه) وليس داء السكري الكاذب. وعلى ما يبدو أن تسميته بالسكري الكاذب محاولة (غير موفقة برأيي) لاتباع المنحى الثاني، وذلك لتشابه عرض البوال في هذا المرض النادر مع عرض البوال في السكري الشائع. تسمية أي مرض يمكن لها أن تترك أثراً على تقبل المجتمع للمرض. ووصف المرض بصفة مرتبطة بطعم البول، على الرغم من صحة الوصف، أمر مثير لمشاعر سلبية. لا أعلم إن كان هذا هو السبب الرئيس في انتشار تسميته بالسكري الكاذب، لكني أرى أن هذا العامل مهم في اختيار المسمى عندما توجد عدة اختيارات متساوية في الدقة وفي شمولها للمعنى العلمي المراد الإشارة إليه. ولأن عبارة "السكري الكاذب" لا تنطبق عليها تلك الشروط فهي بعيدة عن وصف المرض علمياً ولا علاقة لها باسم المرض في اللغة الأصلية، فربما كان من الأفضل البحث عن تعريب للمرض باتخاذ المنحى الثاني. في غياب ذلك البديل، يكون واجباً، برأيي، أن لا يشذ المسمى عن أحد المنحيين، وبالتالي تكون الترجمة الصحيحة هي "البوالة التفهة"...ـ
والترجمة الشائعة لتسمية المرض الثاني هي داء السكّري، وهو اختيار موفق لكونه يصف المعنى الأكثر أهمية للمرض، وهو فرط السكر (في الدم أو البول). جاء في لسان العرب: "السكر عنب يصيبه المرق فينتثر فلا يبقى في العنقود إلا أقله، وعناقيده أوساط، وهو أبيض رطب صادق الحلاوة عذب من طرائف العنب". وارتفاع مستوى سكر العنب أو الݠلوكوز
(glucose)
هو النتيجة الأساسية للمرض. هنا تكون التسمية بنسب المرض للسكر، وهو اتخاذ للمنحى الثاني الذي أشرت إليه إبتداءً وهو اشتقاق كلمة من المعنى المناسب علمياً بدون النظر لدقة ترجمة المصدر الأجنبي. وقد تكون ترجمته باتخاذ المنحى الأول "البوال المعسول". وهنا تكمن ميزات المنحى الثاني في هذه الحالة: مسمّى المرض أنسب علمياً، ومحدود بكلمة واحدة وافية وليس مكوناً من عبارة ذات كلمتين، والنتيجة النهائية أقل قابلية لإثارة مشاعر سلبية أو واصمة من "البوال المعسول"...ـ
ربما تعكس هذه الأمثلة أقل أشكال ترجمة المصطلحات الطبية تعقيداً. فالعدد الهائل للمصطلحات التي تستخدم في الطب وعلم النفس قد لا تكفيه مجلدات بحجم عدة قواميس شائعة. لكني أردت طرح أمثلة على المنحيين الأكثر استخداماً في ترجمة المصطلحات وذلك توضيحاً لمنهجي في اقتراح المصطلحات المُعرّبة.ـ
يكثر في مجالنا أن نجد ترجمات شائعة لمصطلحات ذات معاني هامة في الطب النفسي أو علم النفس أو التحليل النفسي، لكنها مع شيوعها قاصرة عن استيعاب المعنى الأساسي (أو المعاني) الذي يعبر عنه المصطلح الأجنبي، وتبتعد في آن واحد عن الترجمة الدقيقة لمصدر الكلمة.ـ
ونجد مصطلحات معربة بإيجاد كلمات مركبة، أي عبارات أو جمل قصيرة، للتعبير عن معنى يوجد في كلمة واحدة في اللغة الأصلية. ويقدم من يدافع عن هذه التراجم مبررات للتجاوز عن قصور مثل هذا الطرح مثل ربط المقترح بتعريف مفصل لتغطية فجوة الدقة في الترجمة، ومثل خفتها على اللسان، ومثل ضرورةٍ يرونها لاستخدام كلمات قريبة لفهم عامة الناس، ومنها سهولة التعبير عن المعنى المراد بعبارة من كلمتين مقارنة بالبحث عن كلمة أو اشتقاق كلمة جديدة للاستخدام الاصطلاحي. أرى في كل ذلك بُعداً عن الصواب. ولم يكن تعريب المصطلحات مرتبطاً بتلك الاعتبارات تاريخياً...ـ
فقد عرّب علماء المسلمين ما لا يُحصى من المصطلحات التي ترجموها عن اليونانيين والصينيين والهنود وغيرهم، واقترحوا مصطلحات استحدثوها في العلوم المختلفة ومنها الطب، بل وتجد من المصطلحات الطبية ما يرجع أصلها إلى العربية. وقد تمت ترجمة أو تعريب معظم المصطلحات الطبية أو كلها وتبقى تلك المصطلحات ثقيلة على غير أصحاب المهنة. ولا يؤثر ثقلها على لسان العامة على استخدامها الفني، بل ربما يحميه من تشوش المعنى المراد الإشارة إليه.ـ
لايقتصر ذلك على الطب، بل نجد هذا قد اتُّبع في العلوم الشرعية والعلوم الطبيعية الأخرى. علماً بأن المصطلحات الطبية الإنݠليزية، بخلاف معظم المجالات الأخرى، يكثر أن تُشتق من اللاتينية وفروعها أواليونانية لقصور الإنݠليزية عن استيعاب المعاني، ومع ذلك عُرّبت كلها أو جلها. ففي اللغة العربية سعة ومرونة فائقتان ولم يوجد عائق لوضع المصطلحات بأنواعها.ـ
إذاً لابد لمن يجتهد في تعريب مصطلح فنيّ أن يتحرّى أولاً الدقة في فهم الكلمة التي يبتغي ترجمتها وطريقة اشتقاقها واستخدامات مشتقاتها وأثر الثقافة التي نشأت فيها الكلمة للإحاطة بأصل المعنى وتفرعاته، وثانياً فهماً لأصول الصرف في اللغة العربية وطرق اشتقاق الكلمات فيها. وبعد ذلك قد يجد المجتهد عدة اختيارات متقاربة. فإن لم يحسب أن أحدها أكثر دقة ومرونة في الاستخدام الاصطلاحي، فربما حينها يميل لتفضيل ما خف على اللسان أو كان سهلاً لغير المختص مما توصّل إليه، أو كان أقل قابلية لإثارة ردود فعل واصمة. لكن كل ذلك يُعدّ أمراً ثانوياً لا أرى له أهمية عند فقدان الدقة أو بُعد المصطلح عن شمول المعنى المراد الإشارة إليه. فلدقة المصطلح أو عدمها أثرٌ خفيّ على مستخدميه...ـ
ليس على المصطلح واجب وصول معناه لغير المختص المُلمّ بتعريفه. لا أعرف سبباً لأن تشذ المصطلحات النفسية عن هذه القاعدة المتبعة في باقي العلوم. ولكن أكثر ما أخشاه هو أن يتشوش المعنى أو يضل مستخدم المصطلح بعد أن يصبح المصطلح شائع الاستخدام ويدخل اللغة الدارجة. وفي الدقة وقاية من ذلك. فكم من مصطلح شوّش المفهوم الذي يرمز له عندما يمر زمن على استخدامه ويُنسى التعريف المصاحب له مع الاستخدام الدارج.ـ
أنقد هنا ترجمة المصطلحات النفسية لكون العربية والإنݠليزية كلاهما لغتا أمّ بالنسبة لي، ولأني درست التحليل النفسي، والذي تتصدر أهمية اللغة ودقة المعاني فيه كل ما سواها، ولحرصي ألا ترتبك المعاني مع مرور الزمن. ويُدهشني كثير من المصطلحات المُعَرّبة المستخدمة في مجالنا لما في بعضها من بُعدٍ عن المعنى المطلوب التعبير عنه، ولما في بعضها من جمود يمنع تفرع المعنى وتعدد المشتقات منه. لذا أستميحكم عذراً إن كان في أيّ من اجتهاداتي شذوذٌ عن المتعارف عليه. هو اجتهاد لمقَصّر، ولا أدّعي الإحاطة بعلوم اللغة.ـ
سأطرح أمثلة لمصطلحات تبنيتها وأحاول أن أدعم انتشارها على الرغم من أني لم أكن من اقترحها ابتداءً، وأخرى اقترحتها راجياً أن تحل محل بدائل شائعة.ـ
بالنسبة لاتباع المنحى الأول فربما كان التفريق بين الألفاظ التالية مثالاً مناسباً:ـ
Worry, stress, anxiety, tension
والترجمة الدقيقة لها هي:ـ
الهمّ (worry)
الضغط (stress)
القلق (anxiety)
التوتر (tension)
وربما كان استخدام لفظ "الضغط" أكثرها إشكالاً، والمقصود به قد يكون الضغط النفسي وقد يكون الضغط من منظور حيوي، فالضغوط مسألة بيولوجية على كل المستويات من الخلية للعضو للجهاز للجسم كله وللعقل. لكن هذا الاستخدام المتعدد هو ذاته الاستخدام باللغة الإنݠليزية. وقد يتم الخلط بين الضغط والتوتر، والأخير تعبير خاص عن حالة كون الشيء مشدوداً من طرفيه، والمقصود بالشيء هنا العضلات، وتوتر العضلات هو ارتفاع لوتيرة الشد فيها والذي يرتبط غالباً (ولكن ليس دائماً) بالضغط النفسي. لذلك يكون التوتر أحد الطرق التي يُعبر بها الجسد عن وجود الضغط النفسي. وقد تُستخدم الكلمة مجازاً للتعبير عن أمور أخرى كدرجة الشحن في العلاقات (مثلاً: علاقة متوترة)، إلا أن ذلك يتم كذلك في اللغة الإنݠليزية.ـ
ومن ترجمات المصطلحات التي أرى أنها موفقة "المُواجَدة" ترجمة لـ
(empathy)
وهي أكثر دقة وأقل قابلية لتشوش المعنى من "التعاطف" أو "التواحد"، وكلمة وافية للمعنى بدون الحاجة لتكوين عبارة من أكثر من كلمة مثل "التقمص الوجداني". الكلمة الأجنبية أصلها ابتدأ في الإغريقية القديمة:ـ
(empatheia)
والتي تعني المودة الجسدية أو الشغف أو المعاناة، لكن تركيبة الكلمة تشير إلى الوجود داخل تلك العاطفة، مما أدى إلى اختيار هذه الكلمة في القرن التاسع عشر (عن طريق الفلاسفة الألمان هيرمان لوتْزِه و روبرت ڤيشر) لتعبر عن المعنى المراد الإشارة إليه، وهو أن نشعر بما يشعر به الآخر. وهو اختيار غريب، بالمناسبة، كون الكلمة الأصلية تستخدم لمعاني مغايرة (بل مضادة) في اليونانية الحديثة. لكن تمت ترجمة الكلمة إلى الألمانية عن طريقهما واختارا اشتقاق لفظ جديد في اللغة:ـ
(einfühlung)
وتعني "الشعور بداخل". وبعد ذلك تُرجمت للإنݠليزية باستعارة اللفظ الإغريقي واستخدام المعنى الاصطلاحي الألماني، وبذلك احتفظ بكونه مصطلحاً فنّيّاً ذا تعريفٍ محدد، وتفادى احتمال تشويش المعنى مع انتشار تداول اللفظ. وقد وُجدت صعوبات في ترجمة اللفظ للعربية. فعلى الرغم من تشابه معنى كلمة "تعاطف" مع المصطلح، إلا أنها لم تنجح كثيراً في الابتعاد عن معنى آخر من المهم أن تفترق عنه، وهو معنى كلمة:ـ
(sympathy)
وقد تم اقتراح المواجدة في المغرب العربي على ما يبدو ولكن لم ينتشر استخدامه في المشرق العربي بعد. ويبدو لي أنه اشتقاق حديث ليس له سابقة في اللغة. وبذلك يكون مثالاً لاتباع المنحى الثاني من المنحيين الذين ذكرتهما في بداية المقال. والاشتقاق هنا في غاية التوفيق، كونه يشير للحالة الوجدانية من جهة، والوجود مع الآخر فيها من جهة أخرى. المصطلح فنّي، ويصعب تخيّل تداخل المعنى أو تشويشه مع الزمن وإن انتشر استخدامه.ـ
ومن الترجمات التي أرى أنها غير موفقة ولكنها شديدة الانتشار، بل ربما يكون من الصعب تغييرها، ترجمة
(Attachment Theory)
فالمتعارف عليه حالياً هو استخدام “التعلق” كترجمة لمصطلح
(attachment)
على الرغم من قرب معنى كلمة تعلق من إحدى معاني الكلمة الإنݠليزية، إلا أنها بعيدة عن المعنى الدقيق والمراد علمياً، ولا يمكن استخدام اشتقاقات الكلمة بشكل يوازي استخدام اشتقاقات الكلمة الإنݠليزية. وعدم الدقة هنا يتسبب في تشويش المعنى إضافة لتلك الإشكالات. فالتعلق يرتبط معناه لغة إما بالاتصال الجسدي والالتصاق والنشوب (وهو معنى ذو انعكاس على فهمنا لسلوك الأطفال خاصة)، أو بتكوين العلاقات القلبية بعمومها. ولم تكن هذه المعاني جزءآً من معاني الكلمة الإنݠليزية إطلاقاً.ـ
أما الترجمة الدقيقة لمصطلح
(attachment)
برأيي (وباتباع المنحى الأول) فهي "الترابط" (أو الارتباط). ويمكن تسمية العلاقات التي تصفها نظرية الترابط (التعلق) بالروابط. فهي نوع مخصص من العلاقات وليس في الكلمة إيحاء محدد لجودتها أو درجة تلاصقها. والترابط ترجمة "حرفية" غير مخلة بالمعنى العلمي المراد بالمصطلح. فعلى سبيل المثال: نستطيع القول بأن الترابط المستقر يسمح بالطمأنينة أثناء التباعد. بينما لو حاولنا أن نستخدم كلمة التعلق في الجملة السابقة لوجدنا أنها أقل مرونة وربما أرتبك المعنى. لا أعلم لأي درجة يمكن تقبل مقترحي هذا. وقد قيل أن لفظ "الارتباط" قد طُرح قديماً ورُفض منعاً للخلط بين هذه النظرية وظاهرة الارتباط الشرطي في نظرية التعلم. واستخدام لفظ الارتباط بهذا الشكل في نظرية التعلم غير موفق كذلك للأسف.ـ
ولعلي أطرح مثالاً لمقترح اقترحته، وأظنه اتباعاً للمنحى الثاني، لتعريب مصطلح
(mindfulness)
في حقيقة الأمر، أجد مصطلحات متعددة تُستخدم لتعريبه، إلا أنني لم أجد أن أيّاً منها يُعبر بشكل كاملٍ ودقيق عن المعنى أو يعكس الكيفية التي تم بها اشتقاق الكلمة بالإنݠليزية. فهي ليست تأملاً أو يقظة أو تيقظاً أو حضوراً بل هي عملية عقلية نقوم بها بإدخال أمرٍ ما في دائرة الانتباه والوعي وإبقائه فيها…ـ
معنى "اليقظة" أقرب لـ
(alertness)
وهو كذلك معنى "التيقظ"، وهي كلمة تشمل معنى
(vigilance)
ومفهوم اليقظة أو التيقظ مختلف وليس ما تعنيه الكلمة الأصلية، ولن تجد بين متحدثي الإنݠليزية من يخلط بين المفهومين. كما أن المصطلح لا يعني "التأمل"، والذي جرى العرف على كونه ترجمة لـ
(meditation)
ومع كون لفظ "الحضور" يصف بعض ما في
(mindfulness)
من المعاني، لكنه قد لا ينطبق على كل أنواع الـ
(mindfulness)
ولا أظن أن هناك كلمة عربية متداولة تفي بالمعنى الذي هو أصل الكلمة ويشتمل جوانب المعنى المراد علمياً: إدخال أمرٍ ما في دائرة الانتباه والوعي وإبقائه فيها. كذلك فإن اشتقاق الكلمة ومشتقاتها واستعمالاتها في الإنݠليزية بعيدة تماماً عن المفردات العربية الشائعة مما يزيد من صعوبة استخدام تلك المفردات.ـ
بقليلٍ من الجهد، وقد يكون قاصراً، وجدت كلمة قد تناسب كمصطلح. فقد اقترحت اشتقاق لفظ "الإيعاء" من الجذر "و ع ى" بصيغة "إفعال"، وبذلك يرتبط بكل من معنى الوعي (العقلي) ووضع الشيء في وعاء، واستخدام صيغة الفعل منه ورد في اللغة بمعنى وضع الشيء في القلب. وهذا أقرب ما وجدت للمعنى الدقيق لـ
(mindfulness)
في لسان العرب وجدت في شرح مشتقات الجذر "و ع ى" تفصيلاً لأحد المعاني التي يكون المصدر لها "الإيعاء":ـ
ـ"وفي حديث الإِسْراء ذكر في كل سماء أَنبياءَ قد سمَّاهم فأَوْعَيْتُ منهم إدْرِيس في الثانية قال ابن الأثير هكذا روي فإن صح فيكون معناه أَدخلته في وِعاء قلبي". وهو استخدام نادر لكلمة (فعل) مصدرها إيعاء.ـ
وقد يكون ذلك الشيء الذي يتم إيعاؤه حالة المرء الذهنية (أي أفكاره) أو الوجدانية (أي مشاعره) أو الجسدية (كأحاسيس الجسم ووضع العضلات وغير ذلك) أو حالة ما يحيط بالإنسان في بيئته أو حالة الأفراد حوله وغير ذلك، بحسب نوع الـ
(mindfulness)
وطريقة تطبيقه، سواءً كتقنية علاجية أو مجرد وظيفة عقلية.ـ
واقتراحي هنا اصطلاحيّ. ويبدو أنه يصح استخدامه بكل الطرق التي تستخدم بها اشتقاقات الكلمة الأصلية:ـ
أَوعَيْت الشيء :ـ
was mindful of it
التأمل الإيعائيّ (أو الاستغراق الإيعائيّ):ـ
mindfulness meditation
علماً بأنه قد كانت تطبيقات الإيعاء التأملية/الاستغراقية مدخلاً للمفهوم إلى العلاج النفسي. لذلك لو نظرنا لكل هذا الشرح لوجدنا قصور كل الألفاظ المستخدمة حالياً عن استيعاب هذه المعاني أو أصولها. ليس ذلك بالغريب، فهو شأن المصطلحات النفسية.ـ
ولن يسعني المجال هنا للتطرق لعدة مصطلحات أخرى سبق وأن أبديت رأياً بخصوصها ولكن أضع هنا أمثلة بالإمكان العودة إلى النقاش حولها:ـ
يتم الخلط بين المرونة
كما سبق أن أشرت للخلط الذي يحدث بين كلمات مثل "العقل" و"الذهن" و"النفس" و"الذات". لن أقوم بشرح مصادر هذه الألفاظ في لغاتها الأصلية هنا أو بشرح تعريفاتها لكن لابد من أن نعلم الفروق فيما تشير إليه:ـ
العقل، ولكن الكلمة يمكن استخدامها للإشارة للنفس (Mind)
هي مجموعة من العمليات العقلية والفكرية يشار إليها بكونها "ذهنية".ـ (Cognition)
النفس (Psyche)
الذات (Self)
الفروق بين هذه الألفاظ مهمة ولكن يبدو أن كثيراً ممن يستخدمها يستسهل تداولها بدون التفرقة بينها. وهنا تكمن الخطورة. وكلما ازداد تعقيد المعنى الذي تشير إليه الكلمة، كلما ارتفعت احتمالات تشويش المعنى مع مرور الزمن وازدياد التداول العام للكلمة. وهذا أمرٌ يهمني كثيراً، وبخاصة فيما يتعلق بمصطلحات النظرية التحليلية والتحليل النفسي، وكل ما يتعلق بالعلاج النفسي عموماً.ـ
وقد تحدثت في مقال سابق عن الصعوبة البالغة في ترجمة المصطلحات التحليلية النفسية، وفيها تجتمع عوامل متعددة من التعقيد اللغوي والفكري والثقافي. تجدون المقال هنا
لكني سأجمع في مقال لاحق أو أكثر بإذن الله بعض المصطلحات التحليلية التي تبنيتها أو اقترحتها، وأرجو أن يوفقني الله في ذلك.ـ
والله من وراء القصد
....