في عالمنا المعاصر المغمور بوسائل التواصل الاجتماعي والمقاطع التي لا تزيد مدتها عن دقيقة،ـ
 فقدت الحقيقة الموضوعية قيمتها،ـ
 وبدأت الصحافة المهنية الموثوقة بالانقراض،ـ
 وأفلست الصحف الرسمية،ـ
 ويبدو أن قراءة الكتب بانتظار وصول نعشها لتستلقي فيه.ـ
 أصبحت الحقيقة مكلفة والمعلومات المغلوطة مجانية.ـ
 لم يعد للصبر تعريف في قاموسنا،ـ
 وأصبح الانتظار لأكثر من دقيقة تعذيباً.ـ
 نعيش في عالم يسوده الجشع،ـ
 ولم يعد مفهوم الإيثار فيه مفهوماً.ـ
 يدفع العلم والوعي الصحي العام جزءاً من ثمن كل ذلك،ـ
 وكذلك تدفع الثمن قدراتنا على تمييز الواقع والتفريق بين الصواب والضلال ومعرفة ما هو رمادي اللون بين الأبيض والأسود،ـ
 ومهارات التفكير المنطقي والشكوكية العلمية.ـ
 ولكن ربما كانت أكبر الخسارات في مهاراتنا الاجتماعية والعاطفية،ـ
 وفي قدرتنا على تقبل الاختلاف وتقدير الآخر أياً كان ذلك الآخر.ـ
 أصبح التحزب قاعدة على ما يبدو واندثر تنظيم المشاعر لدى أكثرنا،ـ
 وفقدنا قسطاً كبيراً من إحساس بعضنا ببعض.ـ
ويبدو لي أنه يوجد انتشار هائل للانجذاب لما يبدو أنه "أصالة" أو "صراحة" أو "شجاعة أدبية"،ـ
 بينما لا تترادف هذه الصفات بالضرورة مع "الصدق" أو "الحقيقة" أو "الأمانة"،ـ
ولا يبدو أن لكثير ممن يدعي تلك الصفات قدرة على إدراك وقعهم على الآخر،ـ
 بينما يبدو أن بعضهم يتعمد وجود ذلك الأثر...ـ
يبحث بعضنا لاهثاً عمن يتابعه ويفضّل منشوراته ويُمجّده،ـ
ويبحث أكثرُنا جاهداً عمن يتابع ويفضّل ويمجّد.ـ
وليس في علاقة التابع والمتبوع على الأغلب من عمق العلاقات الإنسانية الحقة قدر أُنْمُلة.ـ
---
ما تعجلنا للنتائج إلا حرمان لنا من الحكمة،ـ
وما انتقالنا المتواصل من مقطعٍ لآخر إلا حرمان لنا من المعرفة،ـ
وما تحزبنا ورفضنا للآخر إلا حرمان لنا من الرحمة.ـ
ليس للأصالة أن تضلل إن أمكنها أن تُرشد،ـ
 وليس للشجاعة الأدبية حق في نشر المعلومات المغلوطة،ـ
 وليس للصراحة أن تؤذي إن لبست ثوب التراحم.ـ
---
 أظن أننا بحاجة لجائحة جديدة*،ـ
جائحة من نوع آخر...ـ
 جائحة نلامس فيها الآخر ونشعر به،ـ
 جائحة تؤدي لإبطاء وتيرتنا،ـ
 جائحة تسمح لنا بهضم ما ندركه من مؤثرات ومعلومات عوضاً عن الغرق فيها،ـ
 جائحة تعيد الاتزان لتفكيرنا،ـ
 جائحة ترفع من تقديرنا لقيمة الحقيقة الموضوعية الموثوق مصدرها،ـ جائحة تراحم بين البشر…ـ
 أحلم باليوم الذي يصبح فيه #إفشاء_التراحم غاية كل منا نسعى إليها ونحققها في كل يوم،ـ
 وإن كان لثوان معدودة في اليوم،ـ
 وفي كل مجال من مجالات حياتنا.ـ
💐

‏والله من وراء القصد
ـ*للتوضيح: الجائحة هنا استعارة مجازية وليست جائحة مَرَضِيّة. كما يمكن للڤايروس أن يجتاح العالم مهلكاً للصحة، يمكن للتراحم أن يجتاح العالم مهلكاً لوضعه البائس الذي أصفه في المقالة، لعل ذلك يستبدل الوضع بخير منه.ـ

Back to Top