أجد انتشاراً لمفاهيم بين العامة وبين بعض مقدمي الرعاية والعلاج النفسي تدعو للقضاء التام على المشاعر السلبية وكأنها أعراض مرضية. صحيح أن بعض الأعراض المرضية تكون تعبيراً شاذاً أو بالغ الشدة لبعض هذه المشاعر، مما يؤدي لتعطيل أو تقليل من جودة الحياة وبشكل مستمر مما يبرر تشخيص اضطراب ما
إلا أن للمشاعر، كل المشاعر، وظائف هامة في حياة الإنسان وتشكيل خبراته في علاقاته مع الآخر ولها أكبر الأثر في تثبيت وتشكيل الذكريات بكل أنواعها (الروائية والإجرائية) وتعمل خفاءً في تحديد الدافعية واتخاذ القرارات. المشاعر ليست اختيارية، وتسبق التفكير والسلوك، وبدونها لا نكون بشراً
من المشاعر التي ننعتها ب"السلبية" وليست كذلك بالضرورة ووجودها (بحدود تختلف باختلاف الشعور) هام والتخلص التام منها ضرره أكثر من نفعه حيث لها وظائف حيوية في حياتنا:ـ
القلق
الحزن
الندم
الذنب
الخزي
الغضب
الخوف
التشاؤم (ولا أقصد التطيّر) ـ
الفزع
الخجل
الإحباط
الألم
وغيرها كثير...ـ
ومن المشاعر التي تكاد تكون ضارة في كل الأحوال ويجدر الاستبصار بمسبباتها لدى الفرد (وهي أهم طريقة للتقليل منها) من أجل التعامل معها بشكل سويّ والحد من آثارها:ـ
الكره
الحقد
حسد فقد النعمة
الكبر
الاحتقار
الرغبة في الانتقام
الخواء (الإحساس بالفراغ العاطفي للذات) ـ
الوحدة
وغيرها...ـ
لاحظوا ندرة طلب المرء للعلاج أو الدعم للتخلص من الفئة الثانية (الضارة في جلّ الأحوال)، بينما يسعى كثيرون لإيجاد الحلول والخلاص من الفئة الأولى (التي تضر أقل مما تنفع). مرة أخرى: إن تجاوزت مشاعر من الفئة الأولى حدود السواء فهي تستحق العلاج. لكني أخشى من تسويق الخدمات لما لا يستحقه
أرى مثلاً من يقول "بماذا يفيد الندم؟" وكأنما اختار الإنسان أن يندم بتخطيطٍ مسبق من أجل تحقيق غاية. ليس من الممكن أن يختار الإنسان شعوراً أو أن يخطط له بشكلٍ مَوْعيّ. لذا فإن إجابة السؤال لا معنى لها لكون السؤال مفترِضاً لمحال. كيف نبني على ذلك تدخلاً علاجياً؟
من الممكن طبعاً أن نفهم مسببات الشعور، ما ارتبط به من المعاني وأسرار ذلك الارتباط، وما يحدد حدته وأثره على باقي وظائفنا النفسية والمعرفية. من الممكن أن ينظم المرء مشاعره، مجتهداً على بقائها في حدود السواء. لكن من غير المجدي محاسبة المرء على الشعور، أو توقع قدرته على منعه من الحدوث