عندما "ننظر"، فنحن نوجه البصر (سلوك إرادي مَوْعيّ) وما نبصره إدراك حسّيّ لاإرادي: تصل للدماغ إشارات عصبية ناتجة عن التهييج الحسي في شبكية العين ويفسرها الدماغ لحظياً محوّلاً الإشارات العصبية إلى معلومات مصورة تصل إلى وعينا. لكن ما يحدث في الخطوات الأخيرة من هذه الإجراءات هو أن المعلومات المصورة تكتسب معانٍ لم تكن في مصدرها، بل نتجت عن ارتباطها بما تحويه الذاكرة (بشقيها الروائي والإجرائي) وبما تمليه الحالة الوجدانية وبما تتفتق عنه التحليلات الذهنية وما يوجه إليه المحتوى الفكري، لتكون المحصلة النهائية هي ما "نراه"… ـ
وهذه خبرة تلقائية لامَوْعية نمر بها مراراً وتكراراً في حياتنا، ولكنها حديثة للطفل الرضيع، وظاهرة عجيبة حقاً: فرؤية الأم لهذا المولود الذي يعجز عن أي تعبير عما يدور في خلده تخلق لديه بداية الشعور بالوجود كذات! ومن هنا، وطالما كنتُ (أو كان الرضيع) موجوداً، فبإمكاني (وبإمكانه) أيضاً أن "ينظر" للآخر "فيراه".ـ