‏بعد بعض تغريداتي عن انعدام العلاقة بين ⁧‫#التطعيم‬⁩ و ⁧‫#التوحد‬⁩ عبّر كثيرون عن غضبهم ممن يمتنعون عن تطعيم أطفالهم،لكني لاأشاركهم في ذلك. أعلم أن كل أم وكل أب ناقشتهم في قناعتهم قدوصلوا إليها محبين لأطفالهم وقرارهم حرصٌ مخلص. كثير منهم يشعرون بالذنب لتطعيمهم 
طفلاً تم تشخيصه بالتوحد

ليس من المفيد إطلاقاً مهاجمة الوالدين الممتنعين عن التطعيم وبالتالي دفعهم للرسوخ في موقف دفاعي. المسألة بحاجة لتفهم ما يمرون به في حياتهم، مخاوفهم، معلوماتهم، مشاعرهم، أمانيهم... ـ
من الواجب نشر الوعي والمعلومة الصحيحة. ومن ذلك مفهوم مناعةالقطيع أو المناعةالمجتمعية... ‏وهذا المفهوم غير معروف لأغلب الناس: الأطفال غير المطعمين قديزيدون من إمكانية تواجد وانتشار الڤيروس في المجتمع إما كمصابين أو حاملين له. وبالتالي يزداد احتمال إصابة ذوي المناعة الضعيفة أو الأمراض الخطيرة أو كبار السن أو من يُعالج بمثبطات المناعة أو من لديه مانع طبي من التطعيم. ‏لذلك فكلما اقتربت نسبة التطعيم من 100% من المجتمع، كلما قلت احتمالات الانتشار الوبائي وقلما قلت إصابات ووفيات الفئات ذات التعرض العالي للأذى من المرض. ولذلك فالتطعيم ليس فقط مسؤولية فردية، بل مسؤولية مجتمعية تهم الصحةالعامة بشكل كبير جداً. ـ
مهم شرح مفاهيم أخرى متعلقة بالتطعيم ‏ومن ذلك أن التطعيم يضعف المناعة وأن التعرض للأمراض يُقوّي المناعة. وهذا الفهم المغلوط ينم عن عدم فهم آليات عمل التطعيم على جهاز المناعة. صحيح أن جهاز المناعة بحاجة للتعرض للجرثومة أوأجزاء منها ليتمكن من محاربتها. ومايفعله التطعيم هو ذلك بالضبط ولكن بدون أعراض المرض ومضاعفاته. ‏وبالتالي فإن جهاز المناعة يزداد قوة وقدرة على مواجهة الأمراض وليس العكس بعد التطعيم. ـ
والأهم من كل ذلك هو أن إجماع المجتمع الطبي والباحثين ومسؤولي الصحة العامة في كافة البلاد وجمعية الصحة العالمية لابد أن يكون مصدراً للطمأنينة في اتخاذ القرار، وليس برهاناً على مؤامرة عالمية.ـ
‏والمعلومة الصحيحة فيما يتعلق بالتوحد قد تكون صعبة التصديق لدى البعض وهذا يتطلب مجهوداً أكبر في الاستماع لهم، وليس توجيه اللوم. قد يكون صعباً تقبّل وجود عوامل وراثية وراء الاضطراب، خاصة لو لم يعرفوا أن النسبة العظمى من هذه العوامل الوراثية طفرات جينية لم تنتقل من جيل لآخر. ـ
قد يكون صعباً فهم تأخر ظهور الأعراض للسنة الثانية من العمر لدى بعض الأطفال، وربما أكثر من ذلك فيما ندر، مع أنه اضطراب يصيب نماء الدماغ من بداية تخلق الجنين. لكن هذا مرتبط بالتعقيد الشديد لعملية نماء الدماغ. ليس التوحد هو المرض الوحيد الذي تتأخر ظهور أعراضه... ‏الفصام، على سبيل المثال، مرض يبدأ في الظهور في أواخر المراهقة أو العشرينات،ومع ذلك فهو في معظم الحالات اضطراب نمائي يصيب الدماغ منذ بداية تخلقه. ليس في الموضوع شيء من الغرابة.ـ
‏أما المعلومة التي ربما يُساء فهمها أكثر من كل ماسواها فهي زيادة أعداد الذين يحصلون على تشخيص التوحد. ‏وهذه الظاهرة ليست ذات علاقة بالتطعيم أو ما يُشاع من المعلومات المضللة. من المعلوم أن الآلية التي يتم بها التشخيص لأي مرض أو اضطراب ذات أكبر الأثر في عدد من يتم تشخيصهم. قبل عام 1943 لم يتم تشخيص أي أحد بالتوحد إلى أن نشر د.ليو كانر (الذي وصف الاضطراب لأول مرة) ورقته العلمية. ‏وكان الانطباع أنه اضطراب نادر ولكن مع مرور الوقت توسعت معايير التشخيص في شمولها لأعراض المتلازمة مما أدى بعد كل توسع لزيادة في نسبة الحاصلين على التشخيص. وبعد صدور النسخة الرابعة من الدليل التشخيصي
DSM
عام1994 انتشرت معايير التشخيص وازداد الوعي بها يشكل متطرد بين المهنيين الصحيين؛ وأدى ذلك لازدياد تطوير الأدوات والمقاييس المستخدمة لدعم التشخيص وازداد الزخم في البحوث العلمية وازدادت مطالب الدعم من أهالي ذوي التوحد للدعم الاجتماعي ومع نشوء ظاهرة الدمج في التعليم ازداد انخراط أطفال لم يكونوا في السابق منخرطين في الدراسة أو كانوا معزولين في فصول الإعاقات، وبالتالي أصبح أكثر أهمية أن يتم الحصول على تشخيص دقيق، لذلك أدت كل هذه العوامل إلى زيادة الوعي بالاضطراب لدى كل من المهنيين الصحيين من جهة وأهالي الأطفال من جهة أخرى. وما يزال الأمر في تصاعد. كل هذه العوامل هي السبب الرئيسي في ازدياد الأعداد الحاصلة على التشخيص...ـ
وهنالك احتمالات أخرى يجري العمل على دراستها في الوسط العلمي، مثل بعض العوامل التي نسميها "بيئية" (أي أنها ليست وراثية في الجينات) قد تتفاعل مع عوامل القابلية الوراثية لتؤدي إلى ظهور الاضطراب. وهذه العوامل تكون فاعلة على الأغلب في بداية تخلق الجنين، وليس بعد ولادة الطفل. على سبيل المثال، إصابة الحامل بالإنفلونزا (وليس نزلات البرد العادية)يزيد من احتمال التوحد في الطفل بنسبة طفيفة (~2%)ويحمي من ذلك تطعيم الانفلونزا، وتناول أحد أدوية الصرع في بداية الحمل (ديﭖاكين) يزيد القابلية للتوحد، والأبحاث تقترح احتمال زيادة القابلية للتوحد مع فقر مستوى حمض الفوليك وفيتامين د في بداية الحمل.ـ
لذلك فإن هناك ما يفسر ازدياد أعداد الحاصلين على التشخيص. لايتطلب الأمر الوصول إلى قناعة بأن التطعيم هو سبب ما يحدث حتى وإن لاحظ والدا الطفل ظهور الأعراض بعد حصوله على التطعيم. هذه مصادفة زمنية سببها أن ظهور الأعراض في الاضطراب متأخر ويتصادف عند بعض الأطفال مع جدول التطعيم.ـ
ولذلك كله، ولكل ذلك التعقيد، فإن الواجب علينا كمختصين هو أن نستمع لما يشعر به أهل الطفل وما يعرفونه. حبهم للطفل هو سبب وجودهم في العيادة، ولديهم كامل الحق أن يصلوا لأي قناعة يريدون الوصول إليها. لكن علينا استشعار ما يمرون به وتقديم المعلومة الصحيحة، وليس لومهم.ـ
Back to Top