يقال أن معدل معارف الفرد في حياته يزيد عن ألف. هذا يعنى أن شخصاً واحداً يفصل بينك وبين مليون آخر، وشخصين عن بليون، وثلاثة عن البشرية جمعاء!
لو فهمنا هذا المنطق بعمق، كل فرد له أثره على حياة البشر كلهم، قلّ حجم ذلك الأثر أو عظم. كحلقات الأمواج تصنعها حصاة تسقط في بركة ماء راكد...ـ
حجم الحصاة يحدد حجم الأمواج، لكن لا فرار من صنع الأمواج مهما صغرت الحصاة. أفلا يكبح هذا الفهم اندفاعنا؟ أوَلا يُحرك فينا سكوننا؟
ألا يدعونا لفهم المعاني والدوافع التي تحركنا؟ ألا يدعونا لتأمل حياتنا ورسالتنا فيها وعلاقاتنا وآثارها فينا؟
كم أتمنى أن نحلّق عالياً كالنسر ونراقب حركة كل دابة في مدى البصر لنرى منظومة الحياة قبل أن نحكم على فردٍ أو فئةٍ أو عرقٍ أو بلدٍ أو جنسٍ ...ـ
كم أتمنى أن نغوص في أعماقنا لنرى تراكم الآثار من علاقاتنا وهي تُشكل هذا البناء الذي نسميه الذات وتزينه بسمات شخصيتنا التي بدورها تؤثر على الآخر
ليس كل ذلك التعقيد والتشابك بأعظم من تعقيد نماء عضو الجسم الذي ارتبط نماؤه بكل ذلك التشابك الخارجي واستجاب له وأثّر فيه بلدونة مذهلة: الدماغ
تخيل 80-100 بليون خلية عصبية، تتصل كل منها ب 10,000 خلية عصبية أخرى... حسابياً يمكن حصر عدد الدوائر العصبية التي يحتمل إنتاجها بهذه الأرقام
لو حصرنا عدد الذرات في الكون (وقد تم ذلك)، وقارناها بعدد الدوائر العصبية المحتملة في دماغ واحد ستكون بمثابة حبة رمل مقارنة بصحارى العالم كله
لا يعني ذلك وجود دوائر عصبية تزيد عن عدد ذرات الكون، لكن ذلك يعنى أن الدماغ البشري لديه من اللدونة وقدرة التشكّل ما لا يمكن حصره
هذا عن دماغ الفرد الواحد، والذي يتشكل بتجاربه المباشرة وغير المباشرة مع الآخر، كل آخر. ألا يوقظنا وعينا بهذه المنظومة من سبات انحيازنا؟
إلى متى نبقى قانعين بالنفق الذي صنعناه لكي نسير فيه حاجبين عن إدراكنا كل ما هو خارج ذلك النفق؟
إلى متى نبقى راضين بما نعيه، طامسين من وعينا أغلب ما كان له دور في صنعنا، أو خائفين من أن يصدمنا ما طمسناه عن وعينا؟